Skip to main content

Full text of "127m Pdf من مجلات جامعة غرداية كتاب السماع الصوفي"

See other formats


مجلّة الواحات للبحوث والدراسات 
ردمد 7163- 1112 العدد 6 (2009) : 171 - 186 
http://elwahat.univ-ghardaia.dz‏ 


الماع السوفي العواوي 
بيد امابو واامقصيور 
حمقارية ازارو رواو ا 


مادي کد 
قسم عل الإجتماع جامعة مستا 








أخذ موضوع الممارسات الطقوسية حيزا معتبرا في الحقول المعرفية والدراسات 
المتعددة الاختصاصات» وبخاصة مجالات العلوم الاجتماعية. وبكون الطقوس ممارسات 
وحركات متكررة نابعة من ثقافة المجتمع, تطرح الإشكالية عن مدى حضورها حضورا ثقافيا- 
رمزيا من خلال الأشكال التعبيرية والاحتفالات الدينية التي تمارسها الطائفة العيساوية داخل 
فضاء روحي» بطريقة يتداخل فيها الدنيوي با مقدس» والطقس بالأسطورة. 


يعتبر السماع الصوني من أهم الطقوس التي بمارسها مريد والطريقة العيساوية, 
تصاحبها الإيقاعات ١‏ لموسيقية التي تمهد لحدوث طقس الحضرة ثم الوجد بغية الالتحام 
بالحقيقة المطلقة وهى غاية كل المتصوفة. 

الكلمات المفتاحية: الطقوس الجسدية - الرمزية - الأسطورة-المقدس-الدنيوي- 
السماع الصوني- الحضرة- الكرامات - الحلقة العيساوية. 


Résumé : 


Cette étude sinscrit dans un cadre pluridisciplinaire qui touche 
aussi bien la sociologie, anthropologie , que Iethnomusicologie, ce qui 
me permettra d’analyser et d’étudier les dimensions symboliques et 
culturelles de agir rituel observé chez les adeptes de la Tarîqa Aissawia 
, durant la célébration de leur cérémonies religieuses , dans un espace ou 
s’entrecroisent le sacré et le profane, le rituel et le mythe. Le samaa و‎ 
littéralement audition spirituelle ainsi que le dhikr sont devenus la 
pratique fondamentale de la quasi-totalité des ordres mystiques 


مادي کد 


171 





مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


(Tourouq), notamment chez les Aissawas 0: Algérie .‏ 
Mots clés: Rites corporels - symbolique - mythe - sacré -profane - rite‏ 
du sama’a - hadhra (transe) - karamat - halqa des Aissawas.‏ 
يتناول هذا المقال بالدراسة مسألة السماع الصوني الذي يعد من بين الممارسات 
الطقوسية عند الصوفيةءبكون التصوف تجربة دينية وروحية تعبر عن أشواق الإنسانية نحو 
المطلق, أي الحقيقة الإلحية التي لا تدرك إلا عن طريق ممارسة الرياضات الروحية ومجاهدة 
النفس والأحوال والمقامات التي يسعى من خلاها السالك إلى تحقيق التواصل الروحي بينه 
وبين الذات الإهية. 
لازالت الزوايا كمجالات وفضاءات روحية؛ والتي تعد القداسة نقطة ارتكازهاءمن 
خلال مارستها للطقوس الاحتفالية سواء منها اليومية أو الموسمية وباحتكاكها بالحقل الثقافي 
الحلي» تحافظ على خصوصياتها وفقا لمبادئ المؤسسة الطرقية التي تنتمي إليها. 
تمغل الطريقة العيساويةء أحد نغاذج المؤسسات الروحية, والتي اختارها الباحث» نظرا 
للخصوصية التي تتميز بما من خلال الشعائر والطقوس والكرامات التي تمارس في مختلف 
المواسم والمناسبات الدينية. 
فمن خلال الخلفية التاريخية هذه المؤسسة ومرجعيتها الروحية,» أصبحت مقترنة عا 
يطلق عليه بالمظاهر "الفولكلورية", نظرا لطبيعة وخصوصية نشاطاتا الاحتفالية حيث يمتزج 
فيها الدنيوي بالمقدسء, متجسدا في طقس "اللعب" أو "الحضرة العيساوية". من خلال تأدية 
الكرامات الظاهرية أو الظواهر الخارقة "الباراسيكولوجية" باستخدام الآلات الحادة والزواحف 
السامةء والتي تنجلى رمزيا على شكل عنف مسلط على الجسد. وبالتالي أصبحت هذه 
الممارسات بمثابة الأساطير المؤسسة للطريقة؟. 


وفي الأدبيات الأشوغرافية والأنثروبولوجية. نجد الكثير من رواد هاذين الحقلين 
المعرفيين قد اهتموا بدراسة بعض الجوانب من الطقوس العيساوية, لا سيما المظاهر الاحتفالية 
منهاء من أمثال Huizinga G.Rougety «E. Douttéy R. Brunel‏ .ل ولكن هم مرجع 
يعاج هذه الظاهرة من حيث مرجعيتها التاريخية ونشاطاقا الاحتفالية ومظاهرها الروحية هو 


كتاب expérience du divin dans Algérie contemporaine"‏ 1" للباحثة الفرنسية 


مادي کد 


172 


مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


.Sossie Andézian 
من هناء فقد لجأ الباحث إلى استنطاق الواقع الثقاني الحلي» محاولة منه للكشف عن أغوار‎ 
وخبايا هذه المارسات» بالاستعانة بالمادة الأثنوغرافية الوصفيةء والملاحظة بالمشاركة للتعرف‎ 
على مجتمع البحث» كما استعان ببعض المناهج العلمية من أجل تحليل ودراسة هذه‎ 
السلوكيات» وخاصة منها المنهج البنيوي- الوظيفي وببعض طرق التحليل النفسي» خاصة‎ 
فيما يتعلق بتوظيف الأساطير وتحليل الظواهر البارسيكولوجيةء لدى الكثير من الرواد في هذا‎ 
اجال أمثال سيغموند فروید» وغاستون باشلار وجيلبار دوران وكلود ليفي ستراوس» مركزين‎ 
خاصة على البنى الفكرية والتصورات الذهنية وعلاقتها بالواقع الثقافي والإجتماعي, بكون‎ 
أن نسق المعرفة الأسطورية هو تصورات خارقة استطاع الإنسان البدائي رسمها عن ظواهر‎ 

الحياة وإيقاعات النظام الكون على شكل رموزة. 

فمن خلال ذلك يتم الكشف عن الرموز التي تحملها هذه الظواهر والنشاطات 
الروحيةء لأن الرمز له وظيفة مرجعية للإنسان, بالمعنى الواسع للمصطلحة ومن جانب آخر, 
فإن الطقوس والممارسات الصوفية تمكن امريد من إكساب هوية نابعة من الجماعة المرجعية 
Groupe de référence‏ التي ينتمي إليهاء ويفيد هذا المصطلح السوسيولوجي أن هذه 
الجماعة هي مجموعة من الأفراد في علاقات تفاعلية حسب قواعد محددة مسبقاء وتجمعهم 
علاقات اجتماعية مميزة وثابتة 4. 

بناء على ما تقدم ذکره» بمكن طرح التساؤل التالبي: 

# كيف تتجلى الفاعلية الرمزية» من خلال الفعل الاجتماعي والثقافي داخل هذه 
المؤسسة الطرقية (الطائفة العيساوية) بخصوصيتها الروحية وطقوسها الجسدية في تفعيل 
التواصل بين الفضائين الروحي والثقافي؟ 

1 الحلقة العيساوية ورمزيتها: 

تأخذ الحلقة شكلا دائريا وهي تعر أحد الأنساق الفنية والمسرحية, التي تخلق لدى 


المتلقى جوا من المتعة عن طريق الفرجة والحكاية والتعابير الخاصة بالحركات الجسدية, سواء 
كانت متجسدة في أشكال طقوسية صوفية؛ التي تعتمد 


مادي کد 


173 


مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


في نشاطاتها على الجذبة والإيقاعات الموسيقية كشكل من الأشكال والفنون التعبيرية 
إلى جانب الأوراد وحلقات السماع والذكر, أم كانت عبارة عن مظهر فرجوي تجمع ما بين 
التمثيل والتشخيص و«الإبماء كخيال الظل والأراجوز والمداح والقوال...وذلك بإستعمال 
أساليب مختلفة تدخل ضمن نسق الإيصال والتفاعل ما بين المؤدي والمتلقين كسرد الحكايات 
والغناء والرقص والشعر وملاحم البطولات والأمثال والحكم. 

فقد شاع استعمال مصطلح الدائرة في الحياة اليومية من خلال التصورات الشعبية 
والمعتقدات؛ ومن الواضح أن عمومية الدائرة كتكوين أو كشكل في التجمعات المختلفة إنها 
يتحقق بكونا الصورة التلقائية لأي تجمع ما سواء كان تجمعا دينيا أو علميا أو سياسيا أو 
رياضيا. إن الدائرة كرمز للعالم الغيبي أو الروحي كانت سببا وراء استخدامها في أغراض 
عديدة بصورة قد تكون غامضة تتناسب مع طبيعة الحدف المستخدم من أجلهء كمانع أو 
حاجز سحري لا يمكن اختراقه, ومقاومة للشياطين والأرواح الشريرة. 5 

هذه الظاهرة منتشرة كثيرا في الأوساط الشعبية بامجتمع الجزائري وحتى في الفضاء 
الحضري» وهي تتجلى في وضع عجلات سيارة فوق المساكن والمباني الخاصة التي هي في طور 
الإنجاز كحاجز ضد العين الشريرة وفقا للمخيال الشعي» أو وضع شكل اليد. اي ما 
اصطلح على تسميته 'بالخامسة" وني وسطها شكل يرمز للعين» والتي ها نفس الوظيفة 
حسب المعتقدات الشعبية وهي إبعاد الأثر السلبي الذي تحدثه العين الشريرة. 

تزداد فعالية الدائرة فيما يكتب بداخلها من أسماء الله الحسنى وبعض الرموز والطلاسم 
التي لا يعرفها سوى المتخصصون في هذا الأمر. وقد يرسم هذا النمط في الدائرة على الورق» 
ويحفظ كتميمة مع الشخص وأحيانا أخرى يرسم على طبق دائري. وتأخذ الكتابة بكل هذه 
الأشياء الشكل الدائري بتداخل الدوائر حتى الوصول للمركز؟. 

تختلف الأساليب التبعة في تأدية الطقوس الدينية من طريقة صوفية لأخرى» وهذا 
راجع للنسبية الثقافية التي تنتمي إليها الطريقة وإلى التجربة الصوفية لكل سلطة دينية 
متمثلة في الشيخ ومن خلاله لتجربة المربدين. 

تتميز الطريقة العيساوية بدشاطات طقوسية يلعب فيها جسد المريد وظيفة أساسية» 
تبدو من خلاله الحضرة " الليلة العيساوية " ذات ازدواجية في أسلوجا التعبيري» ترج فيه 


مادي کد 


174 


مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


المقدس مع الدنيوي» فقراءة حزب "سبحان الدايم" كمناجاة للخالق وتواصل روحي معه 
من جهة» ومن جهة أخرى الاستعراضات الخاصة بالكرامات والخوارق التي تعتبر بدورها عن 
تواضل هان واجتماعي مغ جن ان 

فمحاولة تحليل السلوك الطقسي العيساوي» وإن كان يبدو في مظهره الخارجي مبهما 
لدى عامة الناس» خاصة فيما يتعلق بالكرامات الظاهرية والخوارق والتي تمارس في اللعب 
(الحضرة) وهي تبدو للوهلة الأولى للفرد مجموعة من الأحاسيس كاليرة واللامبالاة والفزع 
والإعجاب والاحترام في آن واحد» وحين يتم التعرف على هذا الطقس سرعان ما تتغير هذه 
الأحاسيس» لتفسر على انما ممارسات دينية» وهي أعمق من ذلك» بكوغا ذات مظاهر 
متعددة تحتوي على الأوراد والفن والتمارين الروحية؛ والبحث عن الغبطة الروحية من خلال 
الخروج عن الذات الحدودة أي الوجد"” ميها»م1. 

لكن هذه الأحاسيس المعبر عنها تجاه الطابع الفرجوي هذه المشاهدء هي التي تساهم في 
تقوية الوظيفة التفاعلية والتواصلية لهذا الطقس. وهذا ما لاحظه الباحث من خلال حضوره 
هذه الاحتفالات ؟ 

2 بنية طقس الحضرة العيساوية: 

لقد اعتبرت البحوث في مجال الأثنولوجيا الطريقة العيساوية من بين أكثر الطرق اتقانا 
في ممارسة الحضرة» فهي مثالية في طابعها المشهدي سواء من خلال تأدية الكرامات والخوارق» 
أو من الناحية الاحتفالية باستعمال الإيقاعات الموسيقية والتعابير الفنية في الذكر والسماع 
وحركات الرقص . 

فبكون الطابع الرمزي الفعال الذي يتميز به نشاط الحضرة عند الجماعة العيساوية, 
من خلال الحركات الجسدية التي يؤديها المريدون في مختلف المراحل التصاعدية في "الليلة 
العيساوية"» فهو بذلك محمل بالكثير من الإشارات الرمزية سواء للمؤدين أو للمتلقين على حد 
سواء. إذا كان المفعول التفريغي والتنفسي هذا الطقس بمتد إلى غاية مجموع الحاضرين عن طريق 
الأثر الذي يحدثه المؤدون عند استعراضاتهم, ففي المقابل» تعتبر المشاركة الجماعية للمريدين في 
بعث وإحداث حالات الجذب داخل ذلك الجو الروحي الموسيقي» شرطا أساسيا في إقامة 
الاحتفال بكل إتقان. 


مادي کد 


175 


مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


وانطلاقا من المقاربة البنيوية الوظيفية التي تبناها الكثير من الأنثروبولوجيين أمثال 
مالينوفسكي وت. بارسونز ور. ميرتون... في دراستهم للبنية الاجتماعية عتداءنتاد 1a‏ 
eاsoia»‏ التي تتكون من أنساق وعناصر تؤدي وظيفتها على حدى, في شكل متكامل 
ومترابط من أجل المحافظة على بقاء واستمرارية هذه البنية» وقد يحدث بداخلها نوع من 
التصدع أو الاضطراب»وهو ما أطلق عليه ميرتون الخلل الوظيفي, والذي سرعان ما يتم 
احتواؤه داخل النظام الداخلي للبنية. فمن خلال ذلكءتم تحليل بنية الممارسة الطقسيةء بحيث 
نجد أا تحتوي على وظيفتين داخلية وخارجية, فالداخلية تتمثل في التحكم واحتواء الإضرابات 
الخاصة بالأحاسيس والجانب النفسي» أما الخارجية فذات صلة بالتنظيم الاجتماعي» من 
خلال الطقوس العلاجية التي استعملت كأداة لفض الكثير من الخلافات والصراعات 
المتواجدة داخل الجماعات القبلية ( من 1968)". 


من هناء فإن بنية الحضرة العيساوية كنشاط طقسى, تشتمل على عدة عناصر 
وشروط مترابطة ومتكاملة فيما بينها لتادية وظيفتها في الحافظة على المراحل المتتالية 
والمتصاعدة هذا النشاط, وهذه العناصر. نستعرضها كالتالي: 

أ) الإطار التنظيمى ونسق السلطة: 

والمتمثل في ديناميكية الجماعة التي تطبع المريدين المنتسبين للطريقة العيساوية, وتجعل الفرد 
يتفاعل مع الجماعة لتحقيق الحدف والرغبة المنشودة, وهي الغبطة الروحية أو الوجد. وذلك 
من خلال المكانة والدور المنوط لكل عضوء والذي يشارك من خلال ذلك في تكوين الهوية 
الجماعية مجموعة الممارسين» والتي يحددهما تالكوت بارسونز بأكا عبارة عن قيام الفاعل 
الاجتماعي الذي يشارك في تكوين وإرساء صرح نسق معين داخل البنية» طبقا للنظام العام 
من القيم المتعاررف عليها من لدن الجماعة المرجعية غثل با مفهوم السوسيولوجي الدوركابمي 
الضمير الجمعي» ذات "البعد المعرفي والإحساس» تسمو على الفرد والجماعة وعلى قيمهم 
الثقافية"!!. 

من أجل الحافظة على هذا التنظيم تعلو الجماعة سلطة دينية» تسهر على توازن 
وترابط الأعضاء سواء من خلال التفاعل والتواصل فيما بينهم أو من خلال الحافظة على 
تقوية الطقوس بكل ما تتسم به من طابع خصوصي للطريقة وحسب الشروط المتعارف عليها 
في المبراث الصوفي وهى: الزمان والمكان والإخوان.لذلك يجب مراعاة هذه الأبعاد الثلاثة 
اا مدي مد 


176 


مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


للقيام بأي نشاط داخل الفضاء الروحي للمؤسسة الدينية الصوفية. 

يتمثل البعد الزمني» في اختيار الوقت الملائم من طرف شيخ الطريقة حيث يسود 
السكون والطمأنينة» بكون أن الممارسة الدينية تتطلب التركيز نتيجة لطبيعة هذا الفعل 
الذي يتطلب بدوره اتصالا روحيا مع المقدس. 

والبعد المكاي, فهو اختيار كذلك المكان الناسب»و عادة ما يكون بعيدا عن 
التجمعات السكانية: ما دفع بعض جماعات المتصوفة لتخصيص مركز روحي يحتوي على 
قاعة بمارس بداخلها طقس الخلوة. 

أما البعد الثالث, وهو توفر عدد كبير من المشاركين في الطقس لأن الطابع الجماعي 
يخلق ذلك المناخ المشحون بالطاقة الروحية التي تؤثر على نفسية المؤدين لإحداث الحضرة بكل 
استعراضاتها وفنياهًا. 

وقد اهتم العام الاجتماعي ماكس فيبر 77 .21 بمذا المجال» والمتمثل في نسق 
السلطة وأشكاهاء حيث قسمها إلى ثلاثة نماذج: 

فإذا كانت السلطة البيروقراطية تتمثل في تسيير الإدارات وال مؤسسات وتتميز بطابع 
عقلاتي تستخدم التفكير العلمي والعقلاتي في التخطيط والمراقبة والتوجيه وغيرها من أساليب 
التسيير الإداري. فإن النموذج الثاني وهو السلطة التقليدية» التي تتميز حسب فيبر 
بخاصية اللاعقلانية بكونًا تعتمد على الأحكام العرفية والأساليب التقليدية» وهي تتجلى 
خاصة في الجتمعات القبلية وداخل المؤسسات الأسرية أما النموذج الثالث فهو السلطة 
الكارزماتية» ذات الطابع الديني, والكارزما حسب ما ذهب إليه فيبر تتجسد في الشخصيات 
الدينية التي تمتلك صفات مميزة تأتيها عن طريق الإلهام كالأنبياء والرسل وشيوخ الصوفية. 

فبكون المعجزات والكرامات قوى فوق طبيعية د16اء«د6ددمن؟ فإن العقل والتفسير 
العلمي يعجز عن فهمها وتفسيرهاء لأنما قضايا روحية لما علاقة بالله الذي ألحم هذه 
الشخصيات بهذا النوع من القدرات. 


تأت طبيعة السلطة الدينية» بمفهوم فيبر من هذه الخصائص غير الإنسانية المتوفرة لدى 
هذه الشخصيات الدينية» والتي تقوي من سلطتهم وزعامتهم في قيادة الأفراد أثناء المعارك أو 
مادي کد 


177 


مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


داخل المؤسسات الدينية. 


من خلال هذا النموذج الأخير» وضمن الإطار التنظيمي للقواعد والتقاليد 
الصوفية, تبرز تلك العلاقة والصلة الروحية بين الشيخ والمريد في كل المراحل التي يسلكها 
المريدون والفقراء داخل الطريقة. بكون أن الترابط والتفاعل بين هاذين الفاعلين الاجتماعيين 
يعتبران الحوران الأساسيان الذي تتطور وتنمو حوهما مختلف الممارسات التي تنضوي تحت 
التنظيم الصوفي. 

فالسلطة والحضور الرمزيان لشيخ الطريقة في المؤسسة الدينية وداخل ضمائر المريدين 
يعطيان دفعا روحيا قويا لأعضاء الجماعة: في مختلف المواسم والاحتفالات والمناسبات الدينية 
بكونه يشرف على بداية وفاية مختلف الممارسات سواء حلقات الذكر والسماع وقراءة 
الأوراد أو الحضرة, والتي تعتبر النشاط الختامي عندما تنوفر كل الشروط الملائمة لما تصل 
النشوة الروحية إلى ذروتهًا. 

إلى جانب ذلك» وضمن الإطار التنظيمى داخل القواعد والتقاليد الصوفية» تبرز 
كذلك علاقة الشيخ بالمريد, كرمز للسلسلة والبنية الروحية للطريقة» ومن خلاها يتشكل 
البعدان العمودي والأفقي للاتصال داخل هذا الفضاء الروحي, كون هذه الصلة بين 
هاذين الفاعلين الاجتماعيين هي الركيزة الأساسية التي تتطور حوها كل الطقوس التي تمارس 
ضمن هذا التنظيم الصوني. 

فبالمفهوم الروحي للصوفية, إن الشيخ ذل النموذج ا مرجعي للمريد وغايته المدشودة 
(المراد)» طيلة المراحل المختلفة والمراتب التي يقطعها في مسلكه الروحي وهو مبتغى المريد, 
فالشيخ هو الشخصية المثالية» الذي يبقى دائما مرافقا للمريد وملقنا إياه التعاليم الدينية 
والتربية الروحية. 

ب) نسق الاتصال والإشارات: 


يعتبر نسق الاتصال من هم الأنساق التي تتکون منها البنية الاجتماعية» وهو نظام 
يساهم بقدر كبير في تلاحم وترابط أفراد الجماعات» ولا بمكن لأية جماعة بشرية على 
اختلاف ثقافتها, أن تعيش دون عملية التواصل والتفاعل بمختلف أشكاله ورموزه وإشاراته 
سواء كانت لفظية أو حركية أو إعائية. 


مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


لقد بينت الدراسات الأنثروبولوجية أن الشعوب البدائية» ومن خلال تأقلمها 
وتكيفها مع البيئة الطبيعية الحيطة اء قد تمكنت من استعمال أصوات الحيوانات والرياح 
والنار والدخان كوسائل للإيصال فيما بينها في أوقات السلم والحرب على حد سواء. 

ويوجد داخل كل الجماعات با فيها الجماعة الدينية نظام معقد من الاتصال» الذي 
يساهم في الحافظة على ديناميكية هذه الجماعة وعلى استمرارية البنية المكونة له. وبكون 
الحضرة بنية تحتوي على نظام تفاعلي داخلي» ومن خلال الوظائف التي يقوم بحا الممارسون» 
فإن هذا الفعل الطقسي ما هو إلا ترجمة لتلك الرؤية للكون وللعالم الأكبر والتي تحملها كل 
ثقافة”". فبناءا على ذلك يتم تجسيد شكلين من الاتصال: 

الاتصال العمودي: وهو اتصال ذو بعد روحي بكونه مناجاة للإله» ومن خلاله تبرز 
علاقة الإنسان بالقوة الإيةء وهذا التصور قد اهتمت بدراسته النظرية العقلانية في نظرمًا 
للسلوك الديني, وعمثل هذا الاتجاه كل من 1910 و ۴٣۵e‏ .ل . 

الاتصال الأفقي: وهي العلاقة التفاعلية والترابطية فيما بين المربدين» في علاقتهم 
الاجتماعية والروحية» حيث تشكل الحركات والإشارات والأصوات والرموز المتعارف عليها 
من بين العناصر الأساسية للثقافة الفرعية للجماعة والتي هي مستوحاة كذلك من الثقافة 
الكلية للمجتمع. 

بمثل حضور شيخ الطريقة أو المقدم داخل الجماعة بمثابة تأكيد لهذا التفاعل والتواصل 
الروحي بين هؤلاء الفاعلين» لأن حضوره يمثل دلالة رمزية كبيرة بكونه المرشد الروحي هم 
وعامل محرك بمدهم بتلك الطاقة المحفزة هم والمتمثلة في "البركة". 

ولما يصل جو الحضرة الروحي المشحون إلى ذروته تصبح هذه الجماعة بمثابة جسم 
واحد تختفي فيه كل الذوات البشرية للمؤدين» وبالتالي يصبح نسق الاتصال قد حقق هدفه 
وهو الترابط والالتحام بين أفراد الجماعة, هذا الالتحام الذي يؤدي بدوره إلى تحقيق الغبطة 
الروحية الجماعية (الوجد). 


ج) الإطار الاحتفالي والطقسي: 
عندما تصل أية تجربة دينية لدى الإنسان إلى مرحلة معينة من الشدة» من خلال 


مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


الشعور والإحساس الديني الداخلي.تتطلب ممارسة طقسية .فوجود وعي بالقدسي مغروس في 
النفس الإنسانية» حسب تعبير شلرماخر, يعبر تجربة مع الآخر المختلف كلياء ويطلق ر.أوتو 
0 .12 على هذا الإحساس بحضور الآخر تعبير الإحساس النيوميني عداعصتدس< م1 أي 
تجلي الألوهية وقوتّاء وهو يرى أن هذا العنصر النيوميني في التجربة الديني حالأولانية هام 
۾ للوعي» تكمن في البنية الأساسية لكل التجارب الدينيةة" . 

وهذا ما يتمثل كذلك في المعتقد الذي يعتبر أول أشكال التعبيرات الجمعية عن 
التجربة الدينية الفردية, وبالتالي فإن هذه الحالة الانفعالية تتجسد في الواقع السائد داخل 
الفضاء الروحي للمؤسسة الدينيةء وتتحول إلى تمارسات» ولعل الإيقاع الموسيقي والرقص الخر 
كان من أول الأشكال التعبيرية الاندفاعية التي تحولت تدريجيا إلى طقوس مقننةء تمارس داخل 
مؤسسات صوفية متمثلة في الزوايا والرباطات والخنقاوات, وتخضع ممارستها إلى الخصوصية 

يخضع النشاط الطقسي "اللعب" عند طائفة العيساوية عبر تسلسله وتطوره» أفراد 
الجماعة إلى مجموعة من القواعد التي تمكنهم من السيطرة على عواطفهم وأحاسيسهم 
النفسية» ومن ثم يتم التعبير عنها خارجيا بطابع تفريغي حسب رموز وإشارات متفق 
ومتعارف عليها داخل الجماعة. 

وفي هذه الحالة» تصبح الحضرة كطقس مقنن عند جماعة العيساويين» طريقة تقنية 
للتحكم في الإحساس والشعور الدينيين وكذا التعبير الجسدي عنه بمختلف الوضعيات 
والحركات التي تتخذها البنية الجسدية عندما تكون العنصر الأساسي والحرك هذا المناخ 
الروحي المشحون. 

د) تقنيات إحداث الحضرة: 

تعتبرمن بين الشروط الرئيسية التي تمهد للقيام بممارسة الحضرة وأهم العناصر التي 
تتكون منها بنية وهيكلة هذا الطقس المتمثل في الحضرة العيساوية. إن الحدف الأسمى من 
ممارسة الحضرة (الحضرة الإلمية) في كل طريقة صوفية, هو الإرتقاء بالإنسان المتصوف (المريد) 
عن طريق التسامي transcendance‏ ج12 إلى الغبطة الروحية أو الوجد مءها×م1 وهي حالة 
الانتقال من المرحلة الشعورية الواعية إلى مرحلة اللاشعور. 


مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


ولا يتمكن منها إلا المريد السالك الذي قطع المراحل المختلفة من خلال التربية 
الروحية والمعرفة الصوفية (الأحوال والمقامات ومراتب النفس البشرية والرياضة الروحية...)» 
والتي يعبر عنها بالمنظور الأنثروبولوجي حسب نظرية «عصدع0 ”۷ بطقوس المرور أو العبور 
›Rites de passage‏ وهي تتكون بدورها من طقوس فرعية عبارة عن مراتب» كل واحدة منها 
تكون نمهدة للمرتبة التي تليهاء وني كل مرة فإن المتربي أو المريد يلقن بمعارف جديدة, لأن 
سلوك الطريقة الصوفية يقتضي المرور بمقامات واحوال» كان قد عددها أبو النصر السراج في 
سبعة مقامات: التوبة - الورع - الزهد - الفقر - الصبر - التوكل - الرضا 4 . 

أما الأحوال فهي: المراقبة - القرب - الحبة - الأنس - الائتمان - المخافة - 
الرجاء - الشوق - المشاهدة - اليقين*". 


لم يظهر السماع الصوني. من حيث كونه ممارسة روحية, إلا في اواسط القرن التاسع 
الميلادي وبالخصوص في بغداد: وقد توصل المتصوفة خلال هذه الفترة إلى جعل السماع 
طقس ملازم ومرتبط بالموسيقى والشعر الصوفي. 

إن التجربة الصوفيةء حالة انفعالية قد تصل في شدتًا حدا يستدعي القيام بسلوكيات 
من أجل إعادة التوازن, والتخفيف من حدة التوترات النفسية والاجتماعية والإفلات من 
قبضة القلق جراء الضغوط والمتغيرات الطبيعية والثقافية التي يتلقاها الكائن البشري داخل 
خيطه. 


ولعل الحركات الجسدية واللفظية بكل ما تحمله من رمزية في الممارسات اللفعلية 
والتعبيرية (كحلاقات الذكر والسماع وقراءة الأوراد والحضرة والخلوة...) كانت أول 
أشكال هذا السلوك الاندفاعى الذي تحول تدريجيا إلى طقس مقنن. حيث تتجلى 
الوظيفة المميزة للممارسة الدينية من خلال أشكال طقوسية يأ في مقدمتها طقس 
التطهر أو التطهير دونادء14:دام مل 221465 تمارس من خلالها كذلك طقوس المرور 
Rites de passage‏ وطقوس التضحية ع0 sacrifice Rites‏ التي تمكن الممارسين من 
الانتقال رمزيا من عام دينوي إلى عام مقدس» غيي ولا شعوري» يحقق من خلالها غبطة 
روحية أي مرحلة الإشباع. 

فالمؤوسسات الطرقية وبتفاعلاتا الروحية» عبر سيرورتًا التاريخية كونت مخزونا 


مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


ثقافيا» أصبحت تتماشى من خلاله مع متطلبات العصر بكل متغيراته الثقافية 
والاقتصادية والسياسيةء إلا أن هدفها الأساسي من وراء ذلك هو تحقيق تلك الرسالة 
الروحية السامية وهي التسامي بالمريد السالكء لأنه بمثل الدافع الأساسي للرياضات 
الروحية كامجاهدة والأحوال والمقامات, بغية الوصول إلى فناء الأنا البشرية في الذات 
الإلهية حسب تصورات المتصوفة. 

3( السماع الصوفي» أو البعد الفني والجمالي للمقدس: 

بمثل الإبداع الفني في شتى مجالات الحياةء أحد الأشكال التعبيرية التي كان وما يزال 
الإنسان يستخدمها للتعبير عن حياته الاجتماعية وعن ذاته وعن صلته بعالم المقدس. ويتضمن 
هذا الشكل التعبيري على كل من الفن الدنيوي والروحي» ومن هنا ظهرت عدة مدارس فنية 
تختلف باختلاف المبدعين في مختلف الثقافات الإنسانية. 

ففي الأدبيات الصوفية؛ هناك إشارة إلى أن السماع كسلوك وممارسة؛ قد عرف منذ 
فترة تارعخية طويلة .بحيث أن التصوف أعار اهتماما كبيرا للموسيقى والرقص .منذ القرنين 
الثالث والرابع الحجريين؛ وقد لاحظ بعض المتصوفة أمثال الجنيد البغدادي وإبراهيم ادهم ذلك 
الإحساس الذي يتركه السماع في القلوب. 

لقد أثارت مسالة السماع الصوني فيما بعد بعض الخلافات, فبعض الممارسين 
شجعوه واعتبروه من بين الأحوال (وهي مراتب روحية بمر با المريد أثناء مسلكه الصوفي). 
بينما انتقده الطرف الاخر واعتبره مجرد وسيلة للوصول الى الوجد عكه)ده” 1 ؟". 

اتخذ المتصوفة المسلمون» من خلال مسالكهم الروحية وممارستهم الطقوسية» هذه 
الممارسة الفنية دعامة أساسية ووسيلة للتأمل وسلوكا تربويا للوصول إلى إشباع حاجتهم 
الروحية الحادفة إلى تغذية الروح والسمو جا عبر مدارج الأحوال والمقامات لتحقيق مرحلة 


مه موف 


الفناء في الحقيقة الإلطية .Lanéantissement‏ 


وقد شكلت الموسيقى الصوفية "السماع" في البلدان العربية والإسلامية أحد 
المقومات الفنية وأبرز مظاهر النشاط الروحي والتقاني بكونما اندمجت داخل الحيط الفني 
وأصبحت من الأشكال التعبيرية في مختلف التظاهرات الروحية والدينية التي تقوم بتنظيمها 


مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


المؤسسات الصوفية. وقد تحولت مع الزمن إلى مرجعية أدبية وروحية» ذات طابع خاص 
مستندة في ذلك إلى الميراث الصوفي والتقاليد الصوفية في مختلف مراحل التربية الروحية التي 
بعر بما السالك والمريد, بحيث قام بممارستها المتصوفة في مختلف مؤسساقم الروحية (الزواياء 
والتكايا والخنقاوات...) في مختلف الأوساط الثقافية. وقد اعتبر السماع منذ القرن 17 م 
كوسيلة تربوية لتلقين المعرفة» وبكونه شفوي في شكله. فهو بمثل وسيلة اتصال بين الشيخ 
a‏ 

يضم السماع» من حيث مضمونه. أشكالا لغوية مختلفة في القصيدة والمديح والموشح 
والإبتهال والأنشودة» عن طريق استعمال الخصوصية الإيقاعية والموسيقية والصوفية لكل 
شكل من هذه الأشكال» والتي حاول عبرها الممارسون الصوفيون ها إكساب اللغة معان 
ودلالات جديدة» اعتبروا أا تصبح من خلال هذه الممارسات أصدق وأقدر على التعبير 
على اختلاجات الياة الروحية ومستوياتها الوجدانية - العرفانية» وتكتسب بما الذات معنى 
جديدا حياتهاء وبالتالي يأ استعمال بعض الآلات الإيقاعية المعروفة لدى كل طريقة صوفية 
كتعبير 'مماعي مرفقة بالأنشودة الدينية» يصبح ”موا أو تعاليا بالكيان الإنساني إلى عالم روحي 
عالم الجلال الإلمي, والتي يسعى المتصوفة إلى تحقيقه روحيا ورمزيا. 

هذا ازداد أثر هذه الظاهرة الفنية الروحية ما مكنها من التوسع عبر المساحات الثقافية 
التي ازدهرت فيها الحركة الصوفيةء ويمكن تصنيفها إلى ثلاث مناطق: 

* المنطقة الأولى: وتشمل العراق» العربية السعودية» سوريا ومصر. 

* المنطقة الثانية: إيران, تركياء الجمهوريات السوفياتية الإسلامية في الجنوب 
أفغانستان وباكستان. 

* المنطقة الثالثة: أفريقيا الشمالية؛ وأفريقيا السوداء وبلاد الأندلر؟". 

لقد تم الإهتمام منذ بداية التصوف بصنفين من الفنون وها الموسيقى والرقص. وفي 
بداية القرنين الثالث والرابع المجريينء أولى بعض الرواد الصوفيين أمثال الجنيد البغدادي 
وإبراهيم بن أدهم اهتماما خاصا للسماع» من خلال الصوت واللحن» نظرا لما يتركه من أثر 
على القلوب والأحاسيس. 

كما اتخذ الجانب الفني منذ وقت مبكر دورا محوريا في العملية التربوية عند المتصوفة, 


مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


ذلك من خلال الإنشاد الفردي والجماعي للأذكار والأوراد والألحان والطبوع الموسيقية؛ ما 
أدى إلى تطوير الجانب الفني عند المسلمين وخاصة في مجال الغناء والإنشاد الذي بلغ قمته مع 
الطريقة المولويةء التي تعتبر من الطرق الصوفية التي فصلت في موضوع الغاية والوسيلة في مجال 
الغناء بشكل واضح, وأدركت أن الآلة الموسيقية ما هي في النهاية إلا وسيلة تستعمل هذا 
الغوض 5 

تلعب الموسيقى دورا كبيرا في شعر جلال الدين الروميء الذي يعد أول من توسع 
بإدخالها في مجالس الصوفية. كما أنه نظم ديوان مثنوي على أوزان عديدة. بلغت خمسة 
وخمسين وزنا وكان للناي مكانة خاصة عنده» فهي تتصل بالعشق. فالعشق عنده موجه إلى 
الجمال» والجمال الإلي هو أصل كل جمال. ولما أدخل الموسيقى إلى الطريقة الصوفية. جعل ها 
محفلا في محافل طريقته "المولوية" مخالفا بذلك ما جرى عليه الآخرون20. 

فإذا كان السلوك الطقسي بما فيه السماع عند الجماعة الصوفية يعتبر دوما سلوكا 
فرديا وجماعيا حاملا لبعده الرمزي» فإنه حسب ما ذهب إليه مارسل موس 3191155 »M.‏ 
يعتبر فعلا تقليديا فعالا ذو علاقة بعالم المقدس ‏ ذلك المقدس الذي عبر عنه رودولف 
أوتو بأنه يتميز بالفزع والانجذاب في آن واحد, كون أن الإنسان منذ أقدم العصور حاول أن 
يتقرب من القوى الغيبية ومحاولة استرضائها عن طريق التضحية وتقديم القرايين» كونه لم 
يستطع مواجهتها أو مقاومتها. 

لقد اتخذ السماع في المخيال الديني للصوفية مكانة رفيعة» خاصة ما يتعلق بحاسة 
الأذن» بغد النظر عن وظائفها الفيزيولوجية, فاا تحتل مكانة مرموقة في الجال الصوفي*”. 

يسعى السالك الصوفي لتحقيق الوجد أو التجلي عءها×م1ء كهدف أسمى من خلال 
ممارسته للفعل الديني» يؤدي الجسد فيه دورا مهما كأداة تتأثر مباشرة بمذا الفعل الروحي, 
بكون هذا الجسد بأكمله هو المستهدف وراء ذلك الفعل الطقسي. 

الخاتمة: 


يتجسد طقس السماع في التجربة الصوفية العيساوية من خلال ازدواجية المقدس 
والدنيوي, في المشهد الاحتفالي "اللعب". حيث بارس العنف بشكل رمزي على البنية 
الجسدية متجليا في الخوارق والكرامات الظاهرية؛ الذي يعتبره المريدون من خلال تصوراتهم 


مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


ومخيالهم أخم يسعون مجاهدة النفس آملين للوصول با إلى مرحلة الفناء في الحقيقة الإهية أو 
الموت الرمزي. 

وتبقى الزوايا والطرق الصوفية كمؤسسات روحية؛ ساعية عن طريق ممارساتها وتجربتها 
جزء لا يتجزأ من التراث الثقاني اللامادي الذي يزخر به الحقل الثقافي للمجتمع الجزائري, 
كما يبقى الفاعلون الاجتماعين في هذه المؤسسة الصوفية. من خلال نشاطاتهم داخل 
الفضاء الروحي (من حلقات للذكر والسماع والكرامات والإيقاعات الموسيقية) صلة وصل 
ما بين هذا الفضاء والحقل الثقافي الخارجي» لتستمر هذه العناصر الثقافية من الانتقال جيلا 
عن جيل مساهمة بذلك على الحفاظ على الهوية الثقافية مجتمعنا. 


الموامش: 
Sossie (Andezian): L’expérience du divin dans 1’ Algérie contemporaine,‏ )1 
CNRS Editions Paris, 2001, p.98 .‏ 
2) خليل العمر (معز): علم إجماع المعرفة» مؤسسة الشروق للنشر والتوزيع» عمان, الأردن 22007 
ص199. 
Diouri (Abdelhai): Du symbolisme, les puissances du symbole, Editions‏ )3 
Le Fennec , Casablanca, 1996, p.9.‏ 


4) Robert K. Merton: Eléments de théorie et de méthode sociologiques, 
Armand Colin Paris 1997, p.216 


5) عبد المنعم جاد الله (منال): الاتصال الثقافي, منشأة المعارف, الإسكندرية, مصر» 1997 ص .226 
Sossie (Andezian): Expérience du divin dans PAlgérie‏ )7 
contemporaine ,p.112.‏ 
8) مهرجان التراث العيساوي عستغانم أوت .2005 


9) Babes ( Leila): L’Islam intérieur — passion et désenchantement — 
Edition El Bouraq , Beyrouth , Liban, 2000, p.60. 


10) Houseman (Michael): Naven ou le Donner ã voir — Essai 
d’interprétation de action rituelle, CNRS Edition , Paris, 1994. 


11 ) Babes( Leila)- L’Islam Intérieur, p.60. 


مجلَّة الواحات للبحوث و الدراسات العدد 6 (2009) : 171 - 186 


12 ) Michael Houseman - Naven ou le Donner 3 voir —p.162. 
السواح (فراس) - دين الإنسان - بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني - منشورات دار علاء الدين‎ 3 
.28 للدشر والتوزيع والترجمةء دمشق, 1998 ص‎ 
14) Chebel (Malek): L’imaginaire arabo-musulman — presses 
universitaires de France — 1993, p.145. 
15 ) Ibid p.145. 


16) Mortazavi (Djamshid): Soufisme et psychologie , Edition de Rocher , 
Paris , 1989, p.34 


17) Touati (Houari): Entre Dieu et les hommes, éditions E.M.E.SS, Paris و‎ 
1994, p.34. 


18) Mortazavi ( Djamshid): Soufisme et psychologie. 
جاب الخير(سعيد): مسألة السماع بين الصوفية والفقهاء. محاضرة ألقيت خلال الملتقى الدولي حول‎ 9 
2006. السماع الصوفي المنعقد بمستغانم من 10 إلى 12 أكتوبر‎ 
إلياس كحالة (جوزيف): التصوف الإسلامي -مصادر وأعلام- اشبيلية للدراسات والنشر والتوزيع» ط1‎ )0 
116. القاهرة, 2006 ص»‎ 


21) Rivière (Claude): Les rites profanes , Presses universitaires de France, 
1“ édition, Paris, 1995, p.10. 


22) Chebel (Malek): L’imaginaire arabo-musulman , p.146